Wednesday, November 28, 2007

أنا فلسطيني لا أنا بوليس

مقال رائع للدكتور رشاد أبو شاور.. نقلا عن جريدة القدس العربي
وإن كنت أتحفظ على جزئية بسيطة في نهاية المقال
بس هسيبكوا مع المقال دلوقت
-------
هاتان الكلمتان دلالة هويّة، وانتماء، وحمل مسؤوليّة، وليستا للمباهاة، والادّعاء، والانكفاء علي إقليميّة ممروضة، فأنا فلسطيني تعني في الجوهر: أنا إنسان لي وطن أنتسب إليه: فلسطين.
أنا فلسطيني: عهد علي التشبّث بفلسطين، وتوريث هذا الانتماء للآتين جيلاً بعد جيل.
أنا فلسطيني: وطني فلسطين التي لا وطن لي غيرها، منذ كنعان الأوّل وحتي يرث الله الأرض ومن عليها.
هي فلسطين منذ كانت، وفلسطين سوف تبقي، وكّل عرض مرضي: احتلال، تمزيق، تبديل في ملامح قشرة الأرض، اقتلاع أشجار وتصحير حقول، تجفيف ينابيع، بعثرة شعب ورميه مزقا، سيفشل لسبب لأن شعب فلسطين يردد في كّل آن، ليل نهار، سرّا وعلنا، همسا وصراخا، وجعا معلنا، ومعاناة لا تري، انتفاضات، ثورات، مقاومة: أنا فلسطيني.
أنا فلسطيني، يعني أنا لا أقبل بأي وطن بديلاً لوطني، أو الانتماء لشعب غير شعبي، أو أمّة غير أمتي، أو لغة غير لغتي.
إن رحّلتموني إلي البرازيل، أو كندا، أو الدول الاسكندنافيّة، أو واق الواق.. أو تركتموني علي الحدود في مخيمات لا تليق بالحيوانات بحسب تقارير الهيئات الدوليّة يا أخوة العروبة المزيّفة، سأبقي الفلسطيني!
أنتم تنتمون إلي أنابوليس وزمنها الراهن، وأنا تضرب جذوري في أعماق أرض هي الأقدس، والأطهر، المكتنزة حضاريّا، وثقافيّا، وإنسانيّا، فهنا ومن فم الكنعاني انبثقت اللغة وأبجديتهاوهنا تجلّت الرسالات واكتسبت أمميتها، وكونيتها، وعولميتها.
هنا أرض فلسطين العربيّة، التي لا ينوب عن شعبها، ولا يمثّله إلاّ من يتقدّم صفوفه في الميدان، ويضحّي بكّل ما يملك لتحريرها.
ولذا فكلّ واحد منكم يرضي أن يكون (أنا بوليس)، لا هو عربي، ولا هو مسلم، ولا صلة له بفلسطين حتي لو ولد لأبوين فلسطينيين، ففلسطين انتماء وافتداء.
من صرّح أمام الصحافيين بأن المملكة كانت مترددة حتي يوم اتخاذ القرار بالمشاركة، لأن المملكة لم تكن يوما إلاّ مع العمل الجماعي العربي! نسأله: لماذا كنتم مع تمزيق القرار العربي عندما اجتمعتم وغطّيتم الحرب العدوانيّة الأمريكيّة علي العراق، ولم تنتظروا بعض الوقت لتشكّلوا رأيا جماعيّا يفرض حلاّ عربيّا بخروج القوّات العراقيّة من الكويت، واتخذتم قراركم في مبني الجامعة العربيّة بصوتي الصومال و.. جيبوتي؟!
كل ذاهب لأنا بوليس، صدع لأمر بوش، وهاجسه الحكم، فطاعة بوش وأمريكا، واسترضاء الكيان الصهيوني، هما ضمانة الحكم والكرسي. كان هذا في زمن بوش الأب، وها هو يتواصل في زمن الإبن، وهو خياركم الذي لا خيار لكم إلاّه.
لا، لستم ذاهبين صونا لحقوق الفلسطيني، فالفلسطيني وطنه فلسطين، وهو يعرف أنكم اتخذتم قرارا جماعيّا بكسر الحصار علي (السلطة )في مقّر( الجامعة) و.. لم يجرؤ أحد منكم علي مد يّد العون للفلسطينيين المحاصرين، فانكسرتم أنتم وقراركم الذي لحستموه جماعة وفرادي.
ولأن وضعكم مخز، ومضحك، فإن تصريحاتكم عن أنكم لن (تصافحوا)، هي تدليس لا يمّر، فلا يحتاج واحدكم لأربعة شهود علي ما يحدث! فالعالم كلّه شاهد علي الضعف، والتخاذل، والخذلان، والانضواء تحت جناح أمريكا بوش الإبن.
أنتم ذاهبون جماعة ليس لأن الموت مع الجماعة رحمة، ولا لأن الجماعة قوّة، ولكن لأنكم ضعفاء افرادا وجماعة، ولأن التطبيع مع الكيان الصهيوني، والخنوع لبوش الضعيف، المثقل بالهزائم، الذي ما زال مع إدارته يعدّون لحروب جديدة لعلّها تنقذ مشروعهم العدواني الجهنمي، هو خياركم الوحيد الذي ارتضيتموه بديلاً لشعوب عربيّة قهرتموها، واضعفتموها، وأذللتموها، وأفقرتموها، فبتّم تخافونها، وتحذرونها، ولا تطمئنون لما تضمره لكم!.
أنا بوليس!
لن يأتي بالعدل للفلسطينيين، فهو مؤتمر اقترحه أكثر رؤساء أمريكا وإدارته تصهينا و.. عداءً للعرب والمسلمين.
المهرولون الرسميون العرب، لم ينصروا فلسطين، وتركوا شعبها للحصار، والموت، والعدوان الصهيوني المتواصل، فمن يصدّق كلام المتباكين وقد فضحتهم الوقائع والتجارب؟!
يموت الفلسطيني محروما من حبّة الدواء، وهم يتفرّجون، في حين تتكدّس مليارات عائدات النفط أرقاما في بنوك أمريكا، لأنهم فقراء في الانتماء لا في الثروات!
ينقسم مشروع السلطة إلي سلطتين، وهم يتفرّجون، بل يفركون أيديهم بسعادة، لأن المسؤولية تقع علي الفلسطينيين، وتبرّئهم من دمهم، وضياع قضيتهم، ثمّ يتنادون إلي اجتماع يأخذ قرارا بالمشاركة في أنا بوليس، ولكّل منهم أنا بوليسه في ذلك السوق الذي تمدد فيه فلسطين علي مائدة البيع!ولأن دود الخّل منه وفيه، فإن دود الخراب هو من داخلنا، وهذا الدود المفسد لن يتغيّر فقد تشكّل وتكوّن وتغيّر تماما، فجيناته لم تعد تنتسب لفلسطين وشعبها.
يتلطّي جماعة أوسلو بالإجماع العربي الرسمي، ويندفع الإجماع الرسمي مهتبلاً الفرصة، ليظفر بالحظوة والرضي، ومن أنا بوليس سيعود من أدمنوا التفاوض إلينا بوعد مواصلة التفاوض...
من ينظّرون لجمع السلاح، ويأمرون بمطاردة المسلحين، وتجريم المقاومة، ومن ظهروا فجأةً في حياتنا فإذا بهم ينصّبون في غفلة قادةً متحكمين، أصحاب قرار، يتحالفون مع (دود) زمن أوسلو، ويعملون بضراوة للتخلّص من المقاومين سلاحا، وثقافةً، وحضورا، فيسرّحونهم، ويلاحقون من يعاند منهم تصفية المقاومة، تمهيدا لما بعد أنابوليس...
أين في تاريخ الثورات تلاحق قيادات (شعب) المقاومين، وتجرّدهم من سلاحهم، والأرض محتلّة، والشعب محاصر؟!
ولأن الأسئلة تستدعي مزيدا من الأسئلة: ألم تكن أحداث غزّة، والانقسامات، والاقتتال، غطاءً ومبررا لجماعة أوسلو، والقرار الجماعي العربي للحجّ جماعة إلي أنابوليس؟لقد تجاسر أعداء شعبنا علينا منذ أوسلو، ومع استشراء الانقسام، فأخذوا يطالبون المفاوضين الضعفاء بالاعتراف بيهوديّة الكيان الصهيوني، ليس فقط لإلغاء حّق العودة، ولكن لتبرير تهجير أهلنا الصامدين في أرضنا الفلسطينيّة المحتلّة عام 48.. انظروا أين وصل حال مسيرة السلام الفلسطيني و(العربي) بالرعاية الأمريكيّة!
أليس من أطلقوا الرصاص علي مسيرة إحياء ذكري رحيل ياسر عرفات في غزّة، كالذين يطاردون المقاومين، ويمنعون التظاهرات المحتجّة علي (أنا بوليس) في الضفّة؟
وهل هذان الطرفان سيحققان الوحدة الوطنيّة التي تعيدنا أقوياء مهابين؟!
ليس للفلسطيني سوي أن يتخلّص من كل أسباب الضعف الداخلي، لافظا من يمزّقون وحدته، ويتوّهونه عن طريق فلسطين، لتصير أنا فلسطيني أنا شعب بكامله، فتتجدد روح المقاومة، وتندلع شرارتها من جديد، لتشعل نارا لا تخمد، ينبعث منها شرق جديد درّته فلسطين...
أنا فلسطيني، بهذا الانتماء أقاوم، وأنتمي، وأصمد، وأتجاوز، وأنشد كما أيام كنت فدائيّا أمتطي الريح وأمتشق الكلاشن: اسمي، همّي، عنواني: عربي فلسطيني.

No comments: